سوق حنون .. جائزة الظواهري
"الرياء"
أو النفاق الديني الممزوج بحبّ الشهرة والرياسة فَنٌّ قديم جدّاً من فنون علم
الاجتماع الإنساني.
صنعة لا يتقنها إلا دجّالٌ محترف، ومهنة حرجة لا يستوي فيها الحاذق
والأخرق، وإنِ اعتراها – أحياناً – شيءٌ من الحظ.
لعلّكم تذكرون الحكاية التي ذكرتها لكم عن الحافظ أبي علي ابن
البنّاء المقرئ الحنبلي البغدادي أحد الأعيان المشار إليهم في العلوم في القرن
الإسلامي الخامس، له مصنّفات كثيرة جداً بلغت خمس مائة.
كان ابن البناء - رحمه الله - من مشاهير بغداد
له حلقة بجامع القصر وأُخرى بجامع المنصور، واحدة للفتوى والأخرى للحديث، لكنْ من
سوء حظّه نَسِيَهُ الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي لما صنّف كتابَه "تاريخ بغداد"
فأغفله ولم يذكر اسمه في تراجم البغداديين؟؟؟
يُروى عن ابن
البناء أنه قال لأصحابه لما علم بتأليف تاريخ بغداد:
" ذكرني
الخطيبُ بالصدق أو بالكذب"
فأجابوه بقولهم :
"ما ذَكَرَكَ
أصلاً"
فقال ابن البنّاء
:
"ليتَ الخطيبَ
ذكَرَني في التاريخ وَلَوْ في الكذّابين"
[لسان الميزان 2/196، وبغية الوعاة 1/496]
تأمّل
كلام ابن البناء قبل متابعة قصة حنون ...
أفرط
حنّون العراق في حُبِّ الشهرة والنجومية ففعل لها الأفاعيل حتى نقز من دين إلى دين، ومن
حارة إلى حارة، وأثار فتنة طائفية تحت شعار الجهاد لنُصرة المستضعفين فاقتتلت
بسببه العامّة في الأسواق بالنعال والأيدي والجريد، وتراشقت الطوائف بالحجارة
والخضروات، قبل أن يكتشفوا علّة حنون وما به من جنون.
مات المعتوه حنّون مدحوراً منبوذاً من المسلمين واليهود
والنصارى، فضرب الشعراء به الأمثال، وظنّوا أنّه لم ينل مثقالَ خردلة مما طلبَهُ من
الشهرة بالمكر والحيلة والنفاق، وفاتهم قول الله جل وعلا:
"من كان
يُريد حرث الآخرة نَزِدْ له في حرْثِهِ، ومن كان يُريد حرثَ الدنيا نؤته منها، وما
له في الآخرة من نصيب"
كتب اللهُ لحنون نصيباً من الشهرة لم يكن يحلم
به، أصبح حنون عَلَماً ببغداد تُعرف به ساحة الموقعة وهي السوق
التي وقعت فيها "الهَوْشَة" الطائفية بسبب حنّون، ومع الأيام اصطلح الناس
على تسمية تلك باسم حنون.
أفاعيل حنون مضى عليها نحو ألف سنة، والله يقول الحق: "ومن كان يُريد حرثَ الدنيا نؤته منها"، أبقى الله اسمَ حنّون عَلَماً لتلك السوق إلى يومنا هذا، فذكره المؤرخ
عبد الكريم العلاّف في كتابه "بغداد القديمة" عند الحديث عن أسواق
بغداد القديمة، فقال ص 58:
"سوق حنون،
تقع هذه السوق في محلّة قنبر علي، وكانت هذه السوق ولا تزال قذرة مليئة بالأوساخ
وكانت خاصة باليهود قبل إسقاط جنسياتهم وتركهم بغداد، تباع بها المواد الغذائية
كاللحم والسمك والدجاج والبيض وأنواع الفواكه والخضروات ... الخ" اهـ
قولوا للظواهري: لا تحزنْ، أبشر بجائزة سورية كجائزة حنّون والله لا يضيع أجر العاملين ...