احتراف الكذب ولغة العيون
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"إيّاكُم والكذبَ ، فإنّ الكذبَ يهدي إلى الفجور ، وإنّ الفجور يهدي إلى النار ، وإنّ الرجل ليكذب ويتحرّى الكذبَ حتى يُكتب عند الله كذّاباً ، وعليكم بالصدق ، فإنّ الصدق يهدي إلى البرّ ، وإنّ البِرَّ يهدي إلى الجنة ، وإن الرجل ليصدق ويتحرّى الصدق حتى يُكتب عند الله صِدّيقاً" [ متفق عليه ] .
حديث صحيح من
روائع السنن النبوية ، أصلٌ في مناهج التربوية الأخلاقية السليمة لإصلاح الإنسان
البشري السوي ، حكمة نبوية يجب ضمّها إلى
مقرّرات علم النفس لدراسة أثر الكذب على الصحة النفسية. فالحديث الشريف يشير إلى أثر
الكذب على صاحبه ولا يتكلّم عن أثره على الغير أو منافعه الزائلة الزائفة التي
يجنيها الكاذب في الدنيا ، ويعرفها أهل السياسة .
الكذب حبل من حبال
الشيطان طرفه الأول في الدنيا وطرفه الآخر في النار ، يبدأ الاستدراج بكذبة فتصبح الكذبة حلقة من
سلسلة تجرّ صاحبها إلى الفجور جرّاً حتى يُكتب عند الله كذّاباً .
فلماذا يقول الناس في المَثَل : " حبل الكذب قصير " !
لأنّ الكاذب لا يقدر على إطالة أَمَد الكذبة إلا بأخرى فيكذب ثم يكذب ثم يكذب حتى يصبح فاجراً كذّاباً .
كالسارق حين يسأله القاضي : أين كنتَ ليلة البارحة ؟
فيجيب اللص كاذباً : كنتُ
في ضيافة أخي .
- أخوك من ؟
- أخي فلان
- ماذا فعلت عنده ؟
- فعلت كذا وكذا
- ماذا أكلت عنده ؟
- أكلتُ كذا وكذا ....
وهكذا يضطر الكاذب إلى وصل الكذبة بثانية والثانية بثالثة والثالثة برابعة حتى يصبح كذّاباً على صيغة فعّال من كثرة الكذب .
هنالك وسائل حديثة متطوّرة ومتنوعة لكشف الكذب
وتمييز الصادق من الكاذب والبَرّ من الفاجر، منها ما يُعرف في علم الجريمة والمباحث الجنائية بــ "فنّ الاستجواب" .
القاعدة
الذهبية في هذا الفن تقول :
"كلما زاد عدد المشاركين المتورّطين كلما سهل كشف الكذب".
[ لنا عود إلى هذه القاعدة للكشف عن كذبة عصابة الطالبان والقاعدة ]، ولذلك يبدأ المحقّقون بفصل المتّهمين من أفراد العصابات الإجرامية لاستجوابهم كُلاّ على حِدَة ، ثم
يقارنون بين أجوبتهم فيُنظر إلى المؤتلف والمُختلف ، والمتّفق والمفترق ، فيتميّز الزائف من الصادق، وهنالك - بالطبع - وسائل أخرى لكشف
الكذب وقد يكفي المُحقق النظر إلى عَيْنَي الكاذب لما للكذب من تأثير
فيزيائي على جسد الإنسان كما تقدّم ذكره في موضوع : " العقل محله الدماغ أم
القلب " عند الحديث عن آلة كشف الكذب Poygraph.
وللأسف فإن عالم الجريمة هو الآخر في تطوّر وتحوّر دائم ، العصابات فيهم الهواة وفيهم المحترفون ، الهواة عملهم
عشوائي اعتباطي والمحترفون عملهم متقن موزون ..
المحترفون يخصّصون عند الاعداد والتحضير وقتاً لحفظ الرواية الزائفة للخروج من الورطة عند السقطة حتى تتواطأ
أقوالهم على قول واحد ، ويحضّرون أنفسهم لمواجهة المستجوب بعين حمراء لا تزيع عن
عين السائل وأحياناً يُحرج القاضي أو المحقق فيستحيي من النظر إلى المتهم لجراءته على الحَمْلَقة وقول الزور .
وبالعودة إلى علم النفس وما يُعرف بفن قراءة لغة العيون فإنّ أهل الاختصاص اتخذوا من رواية الرئيس الأمريكي بيل كلينتون عن علاقته بمونيكا أنموذجاً لدراسة لغة المحترفين في الكذب على الشعوب وجراءتهم على الحملقة والمواجهة ، ثم تبيّن أن كلينتون مجرد هاو مبتدئ لم يقدر على الصمود طويلاً بالمقارنة مع دجاجلة الطالبان والقاعدة ...
الملا عمر كان أعور بعين واحدة يقرؤها من يقرأ ومن لا يقرأ كعوار المسيح الدجال لكنه ذكي داهية لا يقارن بكلينتون ومن فرط دهائه رفضه التصوير والظهور للعامة بحجة أن التصوير حرامٌ .
ففوّتها عليهم
ما أكذبهم على الله ...
أما الظواهري فمحترف ، يحملق في وجوه المشاهدين بلا حياء فإن غُلب عليه زاعت عيناه إلى الأعلى باللغة المعروفة خلافاً للزرقاوي إذ كان يغض طرفه ويرمي بنظره إلى الأسفل وتلك نظرة آخرى ، والله من وراء القصد .