معجزة أشرقت من ضريح الإمام البخاري ج2
مدينة "بخارى" حيثُ ولد سيّدنا الإمام
البخاري، ومدينة "سمرقند" حيث دُفن فيها رحمه الله تعالى كانتا من أوائل
المدن الإسلامية التي سقطت بعد الغزو المغولي بقيادة جنكز خان سنة 617هـ.
نقل جنكز
خان مركز قيادته إلى "سمرقند" استعداداً لاجتياح بلاد المسلمين فأمر
بتخريب وتحريق كل ما هو مقدّس فيها عند المسلمين من المساجد والمشاهد والكتب
والمصاحف حتى طال التدمير والتدنيس ضريح إمامنا البخاري رضي الله عنه.
وإنا لنلتمس العذر للحافظ ابن الأثير إذ أوجز وتردّد
في تأريخ تلك المرحلة بعد جاوز طغيانُ المغول وهوانُ المسلمين حدَّ المعقول، من يقدر على تدوين مرحلة تاريخية كان فيها الكفار المغول يختمون على جباه المسلمين ممن عفوا عنهم بالكيّ كما تُوسَم البهائم، وهي من العادات
الجاهلية القديمة لتمييز العبيد بِسِمَة الذلّ والعار.
ثم
أن هدأت الموجة الأولى لتسونامي المغول عند حدود العراق فوقعت معجزة !
عالمٌ فقيه محدّث من تلاميذ الحافظ ابن
الجوزي يُدعى "أبو المعالي بن المُطهّر" أصله من بُخارى* لكنه نشأ في بغداد منذ صغره وتفقّه فيها، قرّر ذلك الانغماسي الصالح أن يسبح عكس التيّار فانغمس برِفقٍ في بلاد المشرق بلا حزام ناسف ولا رمح ولا سيف، إذ لم يُغنِ السيفُ عن المسلمين شيئاً، فلم يبق للمسلمين إلا ما رواه البخاري في صحيحه عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"إنّ الله رفيق يحب
الرِفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف"
الشيخ أبو المعالي قرّر الانغماس بسلاح العلم
والإيمان والتقوى والزهد في الدنيا وزينتها فسار إلى "بخارى" فلقّبه
الناس"سيف الدين" لجسارته !
قدم الجسور سيف الدين أبو المعالي إلى بخارى وهي خرابٌ، قد احترقت وما بها من
موضع يُنزل به، فتكلّم بها وتجمّع إليه
الناس فقرأ لهم صحيح البخاري على جمال الدين المحبوبي البخاري الخزرجي [من أحفاد
الصحابة]، قال الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء [ج23/365] "كان ذلك سنة
اثنتين وعشرين وست مئة" اهـ .
[أي
بعد خمس سنوات فقط من سقوط بخارى وسمرقند وما وراء النهر، وانطلاق ما يُعرف بجيش التتر
المغرّبة يعني الذين توجّهوا إلى المغرب لاجتياح العالم الإسلام، ومن هنا تعرف
الخطأ الكبير في صياغة التاريخ والمبالغة في تضخيم معركة عين شمس، فالله عز وجل
شاء أن يطوي صفحة الظالمين من حيثُ انطلقوا وبأسرع مما ظنّوا بلا سيف ولا وَتَر].
ثم بلغ
خبر الشيخ أبي المعالي إلى ظالم سفّاح من خانات المغول يُدعى "بايقوا"
فقرّر أن ينقل أبا المعالي إلى مركز القيادة العسكرية فساق الشيخ مقيّداً إلى سمرقند ليجعل منه عبرة لمن شاء أن يعتبر، والناس ينظرون إلى شيخهم يساق ذليلاً ضعيفاً لا يُغنون عنه
شيئاً فقال الشيخ:
"إني سأرى بعد هذا
الذلّ عِزّاً"
فترقّبوا لمعرفة المعجزة ...
ــــــــــــــــــــــــ
) * ( انظر ترجمته
في "الجواهر المضية في طبقات الحنفية" لابن أبي الوفاء القرشي [1/249] ،
وكتاب "سير أعلام النبلاء" [23/363] و"تاريخ الإسلام" للذهبي،
و"الوافي بالوفيات" للصدفي و"شذرات الذهب" لابن العماد.