ضرب الزوجة
تكملةً
لما تقدّم ؛ ارتأيت أن انتقي مثالاً يكره كثير من المسلمين الحديث عنه لما فيه من إشكال يصعب على الفقهاء تفسيره في العصر الحديث .
ضرب الزوجة ، هل رخّص الإسلام للزوج بضرب امرأته ؟
قضية عويصة تشرئب لها أعناق النسوان والله المستعان ..
آيتان في القرآن الكريم ورد فيهما الأمر بضرب
الزوجة
الأولى : جاءت في ثنايا قصة
سيدنا أيوب عليه السلام إذ قال الله له : " وخُذ بيدك ضغثاً فاضربْ به ولا
تحنث " أي اضربْ به زوجتك ولا تحنث بيمينك وكان قد أقسم ليجلدنّها مئة سوط .
والآية الثانية : في سورة النساء إذ قال الله تعالى :
" واللاتي تخافون نشوزهنّ فعظوهنّ واهجروهنّ في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم
فلا تبغوا عليهن سبيلاً " .
وكلاهما بصيغة الأمر
نبدأ
بحادثة أيوب عليه السلام ..
القصة شهيرة بما يغني عن سردها مذكورة في القرآن والأحاديث النبوية ، ومن تفاصيلها ما صحّ
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن نبي الله أيوب لبث به بلاؤه
ثماني عشرة سنة فرفضه القريب والبعيد " ... إلى قوله : " وكان يخرج إلى
حاجته فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ ، فلما كان ذات يوم أبطأ عليها ،
وأوحي إلى أيوب مكانه أن اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب " .. إلى آخر القصة
وفيها أن الله تعالى بعث إليه بسحابتين فأسقطت عليه ذهباً وفضة .
سيدنا أيوب
عليه السلام كان بشراً يغضب كما يغضب البشر ، فأقسم في ساعة شكّ وغضب ليجلدنّ
امرأته مئة سوط ، ويروى عن سعيد بن المسيّب أنه فعل ذلك لمّا استبطأت عنه فخاف
خيانتها .
فاليمين المغلّظة كانت في ساعة شكّ وغضب وقد برّأها
الله تعالى من تلك الشكوك وأفتى نبيَّه بالمخرج من ذلك الحلف ، فأنزل الله تعالى
قوله : " وخُذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث " .
تدبّر هذا المشهد
أيوب - عليه السلام – سبق غضبه رحمته فنصّ في ساعة
غضب على عقوبة مُحدّدة حلف بالله ليفعلنّها .
والله – عزّ وجلّ – أفتى نبيّه بالمضي في إنجاز ما
حلف عليه ولا يحنث ، والحنث باليمين هو ترك ما حلف المرء على فعله ، لكنّ الرحمن
الرحيم سبحانه وتعالى سبقت رحمته غضبه فأفتى نبيّه بأن يأخذ حُزمة من الأعواد
الصغيرة يجمع بعضها إلى بعض حتى تكون ضغثاً في حُزمة واحدة يضرب بها امرأته ضربةً
واحدة فيكون بذلك قد أدى ظاهر النصّ الذي حلف عليه .
فانظر إلى الفارق الهائل في تخفيف العقوبة ...
وتأمّل الفارق العظيم في تفسير النصّ وتأويله حين تغلب الرحمةُ الغضبَ .
من مئة سوط إلى ضربة واحد من الأعواد والحشائش .
ثم إن الضربة الواحدة بالضغث من غاضب ناقم ربما كانت
مُبكية قاتلة قاصمة للظهر ...
والضربة الواحدة من غفور رحيم ، ودود حليم ، ربما
كانت مضحكة وكأنها دعابة وبمثل ذلك يُزجر النبيل الشريف ، فلا يهين المرأة إلا
لئيم .
واعلم بعد
ذلك أن ما جرى لأيوب وامرأته عليهما السلام كان في شرع من قبلنا ، وقد قال تعالى : " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً " وقد خفّف الله على المسلمين وفرّج عليهم في مثل ذلك فأنزل كفّارة
اليمين في سورة المائدة وهي من أواخر ما نزل من القرآن الكريم فقال سبحانه :
" لا يؤاخذكم الله في باللغو في أيمانكم ولكن
يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان ، فكفّارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون
أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفّارة أيمانكم
إذا حلفتم ، واحفظوا أيمانكم ، كذلك يبيّن الله لكم آياته لعلّكم تشكرون " .
وللحديث بقية ...