معالجة منظومة القضاء بوقفات من سورة يوسف
وقفات تتجلى بها آيات القرآن الكريم في معالجة منظومة القضاء من خلال قصة
يوسف عليه السلام .
الوقفة الأولى:
"قَالَ يَا بُنَيَّ
لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ"
يستفاد منها أن التحاسد
والتدابر والتنازع وما ينتج عنها من جرائم ومكائد شيطانية هي من الطبائع البشرية،
لا يسلم منها مجتمع وإن كان مجتمعاً صغيراً يتكوّن من إخوة يتزعّمهم أبٌ نبيٌّ
مرسل، ولذلك وجبت الحاجة إلى القضاء العادل ، وكلما كبر المجتمع كبرت معه الضرورة
لإصلاح وتطوير منظومة القضاء، والقرآن الكريم عالج منظومة القضاء بأسلوب بديع فبدأ
من المجتمع الصغير في البادية ثم انتقل إلى المجتمع الكبير في مصر !
الوقفة الثانية:
"وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ
بِدَمٍ كَذِبٍ"
هو أشهر ما يُضربُ به المَثَل في تلفيق الأدلة لرمي
التهمة على بريء شرير يخشى الناس منه، ومنه تعلم أنّ نزاهة القاضي غير كافية
لتحقيق العدل ما تُصلح منظومة التثبّت من الأدلة كمنظومة الطبّ الشرعي في القضاء
الحديث.
الوقفة
الثالثة:
"قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ
لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا، فَصَبْرٌ جَمِيلٌ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا
تَصِفُونَ"
من أجل هذا وأمثاله يقول فقهاء القضاء: "إنّ الأصل في القضاء هو التأني وليس التعجّل إلا عند توفّر الحقيقة الكاملة" ومن الغباء المُطبق أن يُعتقد بأن السبيل الأمثل للقضاء على الإرهاب هو التعجيل بالقذف ونصب المشانق !
التأني أصل من أصول القضاء العادل حتى وإن كان المتهم بغيضاً معروفاً
بالشرّ والإرهاب كالذئب البريء من دم يوسف فاحذروا من الانجراف إلى هاوية التعجيل
لتصفية الحسابات السياسية.
الوقفة الرابعة:
"وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي
مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا"
هنا تبدأ
النقلة من البادية إلى مصر، مِنْ مجتمعٍ صغير فيه إخوةٌ متساوون في القدر والمنزلة
إلى مجتمعٍ كبيرٍ فسيحٍ فيه الغنيُّ والفقير، والقويُّ والضعيف، والعزيز والوضيع،
والحرُّ والعبد...
فيه مواطن من الدرجة الأولى ووافد غريب من الدرجة الثانية قادم للسياحة أو التجارة أو الزيارة أو الخدمة والعمل لطلب العيش ...
في بلد كبير كهذا لا أمن فيه لضعيف فقير أو وافد غريب
إلا بقضاءٍ عادل، فإذا غاب العدل أقام الضعيف على كفّ عفريت وعام كعومة الجنيه، هو وحظه فيمن يخالط من الأكرمين والألئمين ...
وفي وضع كهذا
يبطل العمل بقوله:
"ادْخُلُوا مِصْرَ إِن
شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ"