أول خط مواصلات للنقل البحري بين مصر والحجاز في التاريخ الإسلامي
سياسة سيّدنا عمر بن الخطاب لم تكن مبنية على شعارات جوفاء للتدليس على الناس ...
سياسته كانت مبنبة على برامج عمل واقعي، ما كان من أمر الدين فإلى الفقهاء والقرّاء، وما كان من أمر الدنيا فإلى أهل الاختصاص بأمور الدنيا.
عام الرمادة وضع سيّدنا عمر خطّة سياسية للإصلاح الاقتصادي تهدف إلى ربط
المواصلات السريعة بين مصر والحجاز وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قبل ذلك يكره رَكوب
البحر ويخاف على المسلمين من غدرته كما جاء في كثير من الروايات، فلما وقعت كارثة الجفاف شكى عمر من تباطؤ النقل
البري والناس عنده يموتون جوعاً فأذن لعمرو بن العاص بفتح الطريق البحري السريع، وكان ذلك على مراحل؛
المرحلة الأولى: فتح خط بحري في خليج العقبة من ميناء "أيلة" [إيلات] إلى ميناء "الجار" ومنه إلى المدينة المنورة، وإلى ميناء "جُدّة" ومنه إلى مكة المكرمة، وكانت الأطعمة تنقل براً من الفسطاط إلى العريش إلى أيلة ومنها إلى السواحل الحجازية ثم براً إلى مكة والمدينة، ويقال إنّ عمرو بن العاص بعث نحو ثلاثمائة سفينة محمّلة بالدهون والأطعمة والخيرات المصرية فأغاث المسلمين وأحيى بقيّة الصحابة وآل البيت - عليهم السلام - وأبناء المهاجرين والأنصار رضوان الله عليهم.
"وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا"
صدق الله العظيم
انجاز تاريخي وثّقه الإمام العسكري المتوفى
سنة 395هـ في كتابه "الأوائل" فقال رحمه الله:
"أول من حمل الطعام من مصر إلى الحجاز عمر رضي الله عنه – إلى قوله -
فكتب عمر إلى عمّاله الغوث الغوث فحملوا إليه في البر والبحر، وحمل ابن العاص من
مصر في بحر أيلة طعاما كثيراً وفي البرّ مثله
".
روى نحوه ابن شبّة
البصري [توفي 262هـ] في تاريخ المدينة المنورة بإسناده إلى أسلم مولى عمر:
"أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أذن لعمرو بن العاص رضي الله عنه في
حمل الطعام والميرة من مصر إلى المدينة في بحر أيلة عام الرمادة".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كانت العرب في العصور القديمة تسمي البحر
الأحمر:"البحر الأخضر" وتارة يسمونه "بحر القلزم" أو "بحر
العرب" وفي الجانب الجنوبي من سواحل اليمن يسمونه "بحر الحبشة"، والخليج
الأيمن في شماله المعروف بخليج العقبة كان يسمى "بحر أيلة" نسبة إلى "أيلة"
وفيها ميناء قديم جداً [إيلات]، أما الخليج الأيسر، خليج السويس فكان يُسمّى قديماً:
"بحر القُلْزُم" نسبة إلى اسم البلدة التي تقع على رأس الخليج [السويس
حالياً]، وكانوا كذلك يطلقون اسم القلزم على البحر الأحمر، أما الطريق البحري بين
القلزم وسواحل الجزيرة العربية فهو طريق بحري قديم جداً كان معروفاً قبل الإسلام
لكن لم يكن يسلك إلا نادراً لخطورته ولذلك كانت العرب تفضّل الطرق البريّة.