تعدد الخلافة جائز شرعاً وعقلاَ ( 2 )
لن أبدأ بالوقائع التاريخية التي جرت بعد العهد النبوي كافتراق المسلمين في عهد الدولة العباسية إلى كيانات سياسية متفرّقة في الأمصار ، خلافة بني العباس في بغداد ، وخلافة الأدارسة من بني الحسن بن علي بن أبي طالب في المغرب ، وخلافة الأمويين في الأندلس . كل منهم إمام على بضع من المؤمنين ..
فالأولى أن نبدأ احتجاجنا بالشريعة الإسلامية المعصومة .
بالقرآن الكريم والسنة النبوية .
حادثة صلح الحديبية في السنة السادسة من الهجرة النبوية ، مقطوع بصحتها وثبوتها .
أحداث يوم الحديبية مدونة في القرآن الكريم والسنن
الصحاح بالأسانيد المتواترة ..
ما جرى في ذلك اليوم العظيم دليل قاطع على جواز
افتراق المسلمين إلى أكثر من كيان سياسي .
لماذا ؟
الجواب : لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم أقر شرط الصلح الذي ينصّ على ردّ المؤمنين الذين يهاجرون إلى الله ورسوله من مكة المكرمة إلى الدولة الإسلامية
، وأن على الدولة الإسلامية تسليمهم إلى الدولة الكافرة التي تمارس الاضطهاد الديني .
سبحان الله ، كيف يغفل الناس عن هذا الدليل القاطع
...
النبي صلى الله عليه وسلم كانت له السيادة والدولة في
المدينة المنورة ..
وأئمة الكفر كانت لهم السيادة والدولة في مكة المكرمة
، كانوا يعذبون المستضعفين من المؤمنين والمؤمنات بمكة المكرمة ..
سبحان الله !
اضطهاد ديني ، كانوا يكرهون المسلمين على الردّة عن الإسلام ،
ويصدّونهم عن الهجرة إلى الدولة الإسلامية ....
اقرأ وتدبّر بنود الصلح ...
النبي صلى الله عليه وسلم شرط شروطه ...
والكفار شرطوا شروطهم ...
وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه كاتب وثيقة الصلح ، يدوّن ويُسطّر بنود الاتفاقية وما يُملى عليه .
الحديث النبوي طويل سننتقي منه بعض ما جاء فيه والألفاظ التي أوردها من صحيح البخاري .
فاقرأ ما اشترط الكفار على رسول الله صلى الله عليه
وسلم في صلح الحديبية فأقرّه النبي .
سهيل كان كبير المفاوضين من جهة المشركين شرط على النبي
صلى الله عليه وسلم شرطاً فأملى قائلاً :
" وعلى أنه لا يأتيك رجل منا وإن كان على دينك
إلا رددته إلينا " .
قال المسلمون : سبحان الله ! كيف يُرد إلى المشركين
وقد جاء مسلماً ؟
فبينما هم كذلك دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده ، وقد
خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين .
فقال سهيل :
يا محمد هذا أول ما أقاضيك عليه أن تردّه إلي .
ومما جاء في الحديث قول أبي جندل رضي الله عنه :
" أي معشر المسلمين أُردّ إلى المشركين وقد جئتُ مسلماً ، ألا ترون ما قد
لقيت ؟ وكان قد عذب عذاباً شديداً في الله " .
تأمّل هذه الحادثة النبوية من صحيح البخاري .
ماذا يعني هذا بالمصطلح السياسي الحديث ؟
الجواب :
-
يعني أنّ النبي صلى الله عليه وسلم المبعوث للناس كافّة قد تنازل عن السلطة
السياسية [ أو قل : الإمامة السياسية ، أو الولاية السياسية ، أو الإمارة السياسية
] التي تربطه بالمسلمين المقيمين بمكة المكرمة .
-
ويعني كذلك إقرار اتفاقية تسليم المسلمين المهاجرين المجاهدين إلى الدولة
الكافرة التي تمارس الاضطهاد الديني .
وبعد ذلك نسأل فنقول : ما هو الجامع الذي يربط المسلمين من أهل مكة
بإمام المؤمنين ؛ أمير الدولة الإسلامية ؛ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد التوقيع على وثيقة الصلح ؟
الجواب : بقيت أخوة الدين والولاية الدينية لقوله تعالى :
" إنما المؤمنون إخوة " وقوله تعالى : " قل يا أيها الناس إني رسول
الله إليكم جميعاً " ، ولقوله تعالى : " أن أقيموا الدين ولا تتفرّقوا
فيه " .
فافهموا يا أولي الألباب ..
وحدة الدين شيء ..
والوحدة السياسية شيء آخر ..
ثم انظروا بعد ذلك إلى النتائج المترتبة على صلح الحديبية .
وسيظهر
لكم بالدليل القاطع كيف نشأ للمسلمين كيان سياسي آخر مستقل عن كيان الدولة
الإسلامية في المدينة المنورة ، وبه يتبيّن لكم جواز تعدد الإمامة السياسية ، وأن الخليفة لا يُشترط لصحة خلافته أن يكون إماماً للمسلمين عامّة ، فيجوز أن يكون إماماً لبضع من المسلمين ...
وللحديث بقية ...