العدل أساس الحُكم والرحمة أساس الشريعة
الشريعة الإسلامية مبنية على أساس الرحمة فالرحمة جوهر الشريعة
فقهاء الشريعة وقضاة الشريعة والعاملون بالشريعة عليهم أن يدركوا جيداً هذه القاعدة الأصولية فهي مدخل أصيل لفهم الشريعة الإسلامية والله عز وجل منزل الإسلام يقول : " كتب ربُّكم على نفسه الرحمة " [ الأنعام 56 ]
وقد فسّر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية الكريمة بقوله : لما
قضى الله الخلق كتبَ كتاباً فهو عنده فوق العرش : " إنّ رحمتي غلبت غضبي
" .
رواه البخاري ومسلم
هذا النبأ العظيم يعني أنّ الله جل وعلا الذي يحكم ما يريد ويفعل ما يشاء قد شاء أنْ يُلزم نفسه بذلك الدستور الأعلى . من أجل ذلك افتتح الله جل وعلا سور القرآن الكريم ببسم الله الرحمن الرحيم .
" الرحمن الرحيم "
اسمان مشتقّان من الرحمة على وجه المبالغة . أما الرحيم فعلى وزن فعيل بمعنى الفاعل
ويفيد الكثرة والمبالغة وهو خاص بالمقربين كما قال تعالى " وكان الله
بالمؤمنين رحيماً " . وأما الرحمن فأشدّ مبالغة من الرحيم وهو مَنْ يرحم
الأقربين والأبعدين والأولياء والأعداء فالله هو الرحمن بخلقه جميعاً مؤمنهم
وكافرهم ، ولذلك كره العلماء إطلاق هذا الاسم لغير الله الرحمن الرحيم سبحانه
وتعالى .
ومن
شواهد هذا الأصل العظيم ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : بينما
نحنُ جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل فقال : يا رسول الله ، هلكتُ ! [وفي رواية
: احترقتُ ]
قال : ما لك ؟ [وفي رواية : ويحك ما صنعتَ ]
قال : وقعتُ على امرأتي وأنا صائم . [ أي جامعها فنقض صومَه ]
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل تجد رقبةً تُعتقها ؟
قال : لا
قال : فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟
قال : لا
قال : فهل تجدُ إطعام ستين مسكيناً ؟
قال : لا، فقال له : اجلس .
قال : فمكثَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ، فينا نحنُ على ذلك أُتي النبيُّ بعَرَقٍ فيها تمر ،
والعرَق المكتل [ وفي رواية أنه كان خمسة عشر أو عشرين صاعاً من تمر ]
فقال رسول الله : أين السائل ؟ [ وفي رواية : أين المحترق آنفاً ]
فقال : أنا .
قال : خذ هذا فتصدّق به .
فقال الرجل : أعَلَى أفقرَ مني يا رسول الله ، فوالله ما بين لابتيها [ يريد
الحرّتين أي ما في المدينة المنورة ] أهل بيت أفقر من أهل بيتي .
فضحك رسول الله حتى بدت أنيابُه ثم قال : أطعمه أهلَك .
انتهى الحديث .