اكتشاف سيغيّر مجرى التاريخ ! تيران وصنافير جزيرة المسيح الدجال



  
موقع أثري "دَيْر للرهبنة" في صحراء سيناء


   بعيداً عن ضجيج المزايدات الوطنية والخصومات القضائية في النزاع على تيران وصنافير أقدّم للعقلاء المتخصّصين في علوم التاريخ والأنثروبولوجيا اكتشافاً مثيراً عن هاتين الجزيرتين وما ورد عنهما في كتب الإسلام.

      لديّ مأثورات ونصوص تاريخية مثيرة يطول ذكرها، فلا يسع المقام لسردها لكني سأمد الباحثين ببعض مفاتيح الكنوز العلمية، منها يبدأ البحث والتنقيب الهادئ بعيداً عن المناكفات والمزايدات السياسية ..

   روى الإمام مسلم في صحيحه عن تميم الداري، وهو رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان نصرانياً فأسلم، ينتسب إلى قبيلة لخم، ولخَم وجذام بنو عمومة، قبيلتان من عرب الحجاز من بني قحطان بني إسماعيل عليه السلام، مسكنهم شمال الحجاز على الساحل الشرقي للبحر الأحمر، تنتشر قبائلهم من شمال الحجاز إلى بادية البلقاء شمالاً [عرب الأردن] والعريش غرباً [عرب سيناء]، كان أكثرهم على دين النصرانية قبل الإسلام، ومنهم الصحابي تميم رضي الله عنه، وهو الذي وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وعليه الصليب فأسلم كما ورد في القصة الشهيرة،  وهو صاحب قصة جزيرة الدجّال - إنْ صحّ الحديث الذي رواه مسلم بإسناده إليه والله أعلم بصحته – وسواء صحّ الخبر أم لم يصح فإنّ الأوصاف الواردة في ذلك الأثر القديم المدوّن في الكتب القديمة من دواوين الإسلام تنطبق على إحدى الجزيرتين "تيران" أو صنافير".

زعم تميمٌ في الحديث المنسوب إليه:

    "أنه ركب سفينة بحرية مع ثلاثين رجلاً من لخم وجذام فلعب بهم الموج شهراً في البحر، ثم أرفئوا إلى جزيرة في البحر حتى مغرب الشمس، فجلسوا في أقرب السفينة، فدخلوا الجزيرة فلقيتهم دابّة أهلب كثير الشعر لا يدرون ما قُبُله من دُبُرِهِ من كثرة الشعر، فقالوا: ويلك ما أنت؟ فقالت: أنا الجسّاسة، قالوا: وما الجساسة؟ قالت: أيها القوم انطلقوا إلى هذا الرجل في الدَّيْر* فإنه إلى خبركم بالأشواق قال لما سمّتْ لنا رجلاً فَرَقنا منها أن تكون شيطانة، قال: فانطلقنا سراعاً حتى دخلنا الدّيْر فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقا وأشده وثاقاً، مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد" 
 - إلى قوله في حواره مع المسيح الدجال- :

   "نحن أناس من العرب ركبنا في سفينة بحرية فصادفنا البحر حين اغتلم فلعب بنا الموج شهرا ثم أرفأنا إلى جزيرتك".
   
     فقوله "أقرب السفينة" أي القوارب الصغيرة التي تكون على جوانب السفينة الكبيرة مما يدل على أنهم قد علقوا في المياه الضحلة، فالوصف ينطبق على تيران أو صنافير، ومن زعم أنّ جزيرة الدجال في المحيط الهندي أو الأطلسي أو في جزيرة سريّة عُمّيت عن أعين المستكشفين كأساطير السندباد وتخريفة كينغ كونغ فقد أبعد النّجْعة وبالغ في النزعَة، لأن تميماً قال في حديثه أنهم قد علقوا في البحر شهراً ليس غيرُ، وهي مدة لا تكفي للخروج من البحر الأحمر، وذلك الراجح بمقاييس العلم الحديث والأقمار الصناعية، فالأقرب إلى الواقع المعقول هو دخولهم في المنطقة البحرية الخطيرة التي أشار إليها الحموي في حديثه عن جزيرة تاران [تيران].


    قال ياقوت الحموي المتوفى سنة 626هـ في معجم البلدان:

     "قال أبو زيد في بحر القلزم ما بين أيلة والقلزم [يعني خليج العقبة وخليج السويس] مكان يعرف بتاران وهو أخبث مكان في هذا البحر وذاك أن به دوران ماء في سفح جبل إذا وقعت الريح على ذروته انقطعت الريح قسمين فتلقي المركب بين شعبتين في هذا الجبل متقابلتين فتخرج الريح من كليهما كل واحدة مقابلة للأخرى فيثور البحر على كل سفينة تقع في ذلك الدوران باختلاف الريحين فتنقلب ولا تسلم أبدا وإذا كان الجنوب أدنى مهب فلا سبيل إلى سلوكه مقدار طوله نحو ستة أميال وهو الموضع الذي غرق فيه فرعون وجنوده". اهـ

وقد نقلتُ فيما سبق عن الحموي أن جزيرة تيران كان يسكنها أشقياء من لخم يجمعون نفايات السفن المحطمة، وهذا يعني أن تميماً الداري صاحب القصة ومن معه من لخم وجذام كانوا في طريق العودة إلى ديارهم وهذا لا ينطبق جغرافياً وتاريخياً إلا على هاتين الجزيرتين، والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــ
 

-      "الدَّيْر" عبارة عن صوامع ومغارات في القفار والجبال النائية كان يعتزل فيها الرهبان للعبادة بعيداً عن أعين الناس خلال فترة الاضطهاد الديني في القرون الثلاثة الأولى من المسيحية وبعضها هُجر بعد ظهور المسيحية في العهد الروماني المسيحي، وذاك المقصود بقوله سبحانه وتعالى في سورة الحديد: "وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا" أي في صوامع الرهبنة وهي التي عناها أبو بكر الصديق رضي الله عنه في الوصية لأمير الأجناد عند المسير إلى الشام فقال: "إنك ستمر على قوم قد حَبسوا أنفسهم في الصوامع زعموا لله، فدعهم وما حبسوا أنفسهم له"، وقد تمّ العثور على كثير من تلك الأديار في أطراف الجزيرة العربية وقفار البلقاء وجبال سيناء، منها مهجور ومنها عامر، وبعضها غير مكتشف لأن الرهبان في عهد الاضطهاد كانوا يخفون معالم البنيان، والدَّيْر المذكور في الرواية كان على الجزيرة.

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الرقص حول النبي صلى الله عليه وسلم !

هل كان سفينة مولى رسول الله صادقاً أم كاذباً أم شيخاً مخرّفاً ؟

سيّدنا بلال يرفض التحديث ويهدّد بالخروج المسلح على أمير المؤمنين