دجاجلة الإسلام السياسي في العصر الحديث
بالرغم
مما قيل عن سذاجة الملا عمر زعيم حركة الطالبان لكن التاريخ يشهد بدهائه في توظيف
النبوءات للهيمنة على الشعب الأفغاني وسحق خصومه السياسيين بالدجل الديني عند
ظهوره سنة 1994، والشعب الأفغاني – كما نعلم للأسف – شغلته الحروب الطويلة عن التعليم
والتعلّم حتى غلبت عليه الجهالة والأميّة
والسذاجة، فنهض فيهم الملا عمر وادعى أنّ النبي صلى الله عليه وسلم تنزّل عليه في
المنام فأمره بالنهوض لتصفية الميلشيات والأحزاب السياسية، ثم استخرج الملا عمر
بُرْدَةً منسوبة إلى نبي صلى الله عليه وسلم كانت محفوظة في مزارٍ من مزارات
قندهار، في سابقة لم يجرؤ عليها أحدٌ من المسلمين قبله، فارتدى البُرْدة المكنونة
منذ مئات السنين ليسبغ على بيعته نور النبوّة فانطلت حيلة الأعور على الأفغان، وسلّموا له بالإذعان، وكان الحال كما قال داهية العرب
عمرو بن العاص لمعاوية لمّا فترت عزائم أهل الشام:
"حَرِّكْ لها حُوارَها تَحِنُّ"
يعني علّق للناس قميص عثمان
رضي الله عنه الذي قُتل فيه لتشتد عزائم الناس وتهيج عواطفهم، كما تحنّ الناقة إذا دنا منها
حُوارها ، والحُوار بضمّ الحاء ولد الناقة.
أما ابن لادن المتجذّر من أصول قحطانية فقد أوتي
نصيباً من الدهاء في اللعب بحيلة النبوءات وكان مفتوناً بشهوة الجاه والمجد، فكان يحرص حرصاً شديداً على تصوير نفسه وهو يحمل العصا يتوكّأ عليها ويشير بها؟؟
عباقرة المحللين والنقّاد في الغرب المسيحي العلماني استنتجوا من المشهد المتكرر أنّ الرجل مصاب بمرض مزمن لا يقدر على الوقوف إلا بعكّازه !!
أما المسحورون بعشق الزعيم المخلّص في
المشرق الإسلامي فقالوا:
"هذا ما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله"
هذا ما نبّأنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:
"لا تقوم الساعة حتى يخرج رجلٌ من قحطان يسوق الناسَ بعصاه"
[رواه البخاري]
لكن ابن لادن - من وجهة نظري - مزج في ذلك الصنيع بين الخبث والذكاء لأنّه لم يُعلّق مصير حركته بنبوءة ظنيّة الإسقاط على الواقع، وإنما فعل
فعلاً جائزاً لا يُعاب، لا ضرر فيه ولا ضرار، فمن شاء فليؤمن بإسقاط النبوءة ومن شاء فليكفر، ووصف الحيلة الخبيثة الخفيّة بالذكيّة لا يعني الرضا عن حركة ابن لادن التي جلبت الدمار والخراب
على الأمة الأفغانية، فنحن نقرّ بأن دهاة الحركة الصهيونية اليهودية كانوا - كذلك -
أذكياء في توظيف نبوءات العودة إلى أرض الميعاد، وبالحيلة وثبوا على الأرض
المقدّسة فانتزعوها من براثن العرب فكان الحال كما قال الإمام ابن حزم الأندلسي -رحمه
الله-:
وثبتم على أطرافنا عند ذلِّكم
وُثوبَ لصوصٍ عند غفلة نائمِ
وفي هذا المقام نعرّج بالمفكّرين
على الأغبياء من دجاجلة الإسلام السياسي لعلّهم يعتبرون، و"المؤمن لا
يُلدغ من الجحر مرّتين" كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا بدّ لنا من
التحذير والتذكير بأعظم النكبات الأليمة والكبوات الغبيّة التي سقطت فيها أبرز حركات
الإسلام السياسي في زماننا لنأخذ منا العبر والدروس.
فإلى لقاءٍ آخر إن شاء الله