خصال النجاشي ملك الحبشة
ثاني الخصال الحميدة التي كان يتمتّع بها النجاشي ملك الحبشة هي ذكاؤه متقّد وحسن البديهة ، وبذلك تفوّق على
بطارقته وبِطانَته من القسيسين والرهبان وكبار المستشارين فتفطّن بما لم يتفطّوا به ولم يُخدع
بأُدُم قريش وهداياها فعرف أنها رِشاً سياسية للتأثير على قراراته .
ثالثها : كان النجاشي النصراني ذا حسّ إنساني عظيم
، فالمصالح الاقتصادية والتجارية لبلده وشعبه كانت تقتضي الميل لجانب سادات قريش
من المشركين فأبى أن يمرّر تلك المصلحة على حساب المسلمين المستضعفين وحقهم في العيش الكريم وحرية الاختيار الديني ، وإني لأناشد كل من يشتغل في مجال حقوق الإنسان أن
يستحضر موقفَ النجاشي من المشرّدين الفقراء الغرباء المهاجرين الأولين من المسلمين
، فاذكروا تلك المحاسن في كتبكم وخُطبكم ومحاضراتكم .
رابعها : فيه خصلتان يحبّهما الله وسوله : "
الحِلْمُ والأناة " .
مثلما قال النبي صلى
الله عليه وسلم في وصف المنذر ؛ أشجّ عبد القيس رضي الله عنه ، فلما سمع المنذر مدحَ النبي قال : "يا رسول الله أنا أتخلّق بهما أمِ اللهُ جبلني
عليهما" ؟
قال : "بل الله
جبَلَك عليهما" .
فقال : "الحمد
لله الذي جبلني على خَلَّتين يحبهما الله ورسوله".
رواه مسلم
وأبو داود واللفظ له ، وجاء في بعض الروايات أنّ هاتين الخَلَّتين من خصال
الأنبياء.
خامسها : للنجاشي خاصة ولشعب الحبشة عامّة يدٌ وسابقةُ
فَضْلٍ على كل مسلم إلى يوم القيامة ، مثلما كان للمطعم بن عدي يدٌ إذ أجار نبيَّنا وأدخله مكة المكرمة فآمنه
من الخوف ، ثم مات المطعم بن عدي على كفره ولم يُسلم ، وأسلم ابنه جبير رضي الله عنه
وهو الذي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في أسارى بدر : " لو كان المطعم
حيّاً – قال : وكان له عنده يدٌ – فكلمني في هؤلاء النتنى لأطلقتهم ".
سادسها : كان النجاشي النصراني يتمتّع بخصال
المروءة والنخوة مع ميل إلى الخير ونُصرة المظلوم .
مشهد من فيلم الرسالة |
والجميل في الأمر أن
ذلك كلّه كان منه - رضي الله عنه - قبل إسلامه، وللنجاشي خصال أخرى لكنني أختم وأقف عند خصلة "التواضع" التي انتقاها الله تبارك وتعالى وخلّد
ذكرها في القرآن الكريم فأنزل في سورة المائدة قوله :
"وَلَتَجِدَنَّ
أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى"
قال أكثر المفسرين من السلف ؛ ابن عباس وغيره : نزلت هذه الآية في النجاشي وأصحابه .
قف !
وانتبه !!
القرآن الكريم لا يتكلم عن القُرب بل عن التقارب ..
فللحديث بقية