حداثة في الدين ! أيعقل أن نفعل شيئاً لم يفعله رسول الله ؟



      نفس المؤمن " المحافظ " تميل إلى الرأي الأول أي التجديد بالعودة إلى الماضي والأمر  الأول ، وتستنكر المذهب الثاني أي التجديد بالتطوير والتحديث .  وكلاهما – من وجهة نظري – صحيح لا تعارض بينهما لكن الأمر يحتاج إلى مزيد من البيان ليشرح الله صدر المتردد في قبول ذلك .
       
       إذا نظرنا في الإرث النبوي فإنّنا نجد بلا نزاع أنّ أعظم ما خلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة من أمر الدين هو القرآن الكريم .
      أنزل الله تعالى القرآن الكريم على رسوله النبي الأميّ وهو مقيم في أمّة أميّة لا تعرف الحساب ولا الكتاب ، فلم ينزل القرآن الكريم دفعة واحدة في كتاب مرقوم كما أُنزل التوراة على سيدنا موسى عليه السلام ، بل نزل منجماً مفرّقاً ، منه ما نزل في العهد المكي ، ومنه ما نزل في العهد المدني ، ومنه ما نزل في الحضر ومنه ما نزل في السفر والمغازي ، ووعد الله نبيّه أن ينزل عليه كتاباً لا يمحوه الماء ، ولا يَخلَق من كثرة الردّ ، فجعل الأميّة وتخلف العرب آيةً من آيات صدق النبوة فأنزل قوله سبحانه :
"وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون ، بل هو آيات بيات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون " [ العنكبوت 48/49 ]
فلقّن النبي صلى الله عليه وسلم من حضر من أصحابه كلامَ الله حرفاً حرفاً فحفظوه في الصدور ، فتفرّق القرآن في صدور أصحابه كلٌّ قد حفظ ما تيسر منه ، فلما هاجر إلى المدينة المنورة وخرج من مرحلة الاستضعاف فتمكن في الأرض تعلّم بعض أصحابه القراءة والكتابة فاتخذ منهم كتّاباً للوحي ، وكانت للعرب ألسن [ لهجات ] فأنزل الله تعالى القرآن على سبعة أحرف تيسيراً للذكر والضبط لكونها أمّة تغلب عليها الأُمّيّة ، ثم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم فترك القرآن الكريم مفرقاً في الرقاع والأكتاف والعُسب وصدور الرجال .
 وما إنْ مات المصطفى صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر الصديق حتى دخلت الأمة الإسلامية في صراع عتيد مع حركات الردّة والأمم المناهضة للإسلام ، وخرجت جيوش المسلمين للفتوحات فتفرّق الأصحاب في الأمصار وتشتت معهم القرآن ، فأصبح القرآن الكريم عرضة للضياع ، وكان الأمر أشبه بالفوضى العارمة مع غياب المرجع الأعلى لضبط القرآن الكريم أعني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتيج إلى تطوير وتحديث نُظم حفظ القرآن رغم النفور من الحداثة .
     ويعكس ذلك المشهد الدراماتيكي ما رواه الإمام البخاري في صحيحه عن زيد بن ثابت رضي الله عنه وكان من كتّاب الوحي قال :
أرسل إليّ أبو بكر مَقتَلَ أهل اليمامة وعنده عمر ، فقال أبو بكر : إن عمر أتاني فقال : إن القتل قد استحَرَّ يومَ اليمامة بالناس ، وإني أخشى أن يستحرَّ القتل بالقرّاء في المواطن فيذهب كثير من القرآن إلا أن تجمعوه ، وإني لأرى أن تجمع القرآن ، فقال أبو بكر ، قلت لعمر :
كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله ؟
فقال عمر : هو والله خير ، فلم يزل عمر يُراجعني فيه حتى شرح الله لذلك صدري ، ورأيت الذي رأى عمر ، قال زيد بن ثابت : وعمر عنده جالس لا يتكلم ، فقال أبو بكر : إنك رجل شاب عاقل ، ولا نتّهمك ، وكنتَ تكتبُ الوحيَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبّع القرآن فاجمعه ، والله لو كلّفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ مما أمرني به من جمع القرآن الكريم ، قلتُ :
كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله ؟
فقال أبو بكر : هو والله خير ، فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح صدر أبي بكر وعمر ، فقمتُ فتتبعتُ القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعُسب وصدور الرجال – إلى قوله - : وكانت الصُحُف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفّاه الله ثم عند عمر حتى توفّاه الله ، ثم عند حفصة بنت عمر " انتهى الحديث .
    كانت تلك هي المرحلة الأولى من التطوير ، بجمع القرآن الكريم كاملاً ، مكتوباً في صُحُف ثم حِفظها تحت سقف واحد وكان شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك تردّد الصديق رضي الله عنه في قبوله حتى شرح الله صدره .
وللحديث بقية .

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الرقص حول النبي صلى الله عليه وسلم !

هل كان سفينة مولى رسول الله صادقاً أم كاذباً أم شيخاً مخرّفاً ؟

سيّدنا بلال يرفض التحديث ويهدّد بالخروج المسلح على أمير المؤمنين