الغدر في الجهاد والخَيْسُ بالعهد
قبل اختراع الكهرباء والمبرّدات الحافظة كانت شبه الجزيرة العربية من أشد بلاد الدنيا حرارةً ، صحراء قاحلة لا يسترها عن لهيب الشمس ساتر ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول للمؤذن حين يشتدّ الحرّ في الظهيرة : " أبرِدْ أبِردْ ، فإنّ شدّة الحرّ من فَيْح جهنم " . ولكم بعد ذلك أن تتخيّلوا ذلك الوقع قبل أن تجيبوا عن هذا السؤال ... في ذلك الزمان الغابر .. وفي ذلك الحرّ الشديد ... ما هو الشيء الذي كان ينفر منه العربي حتى يصاب بالقَرَف والغثيان وفساد المزاج وفقدان الشهية فلا يرغب في شمّ ولا سمع ، ولا نطق ولا نظر ، ولا مكث ولا بقاء ؟ أعرفتم الجواب ؟؟؟؟ الجواب : إذا أرْوَحَت الجيفة ! أي فسدت وتعفّنت حتى فاح ريحها النتن فكانت العرب تقول : " خاست الجيفة " ، فإذا مرّ أحدهم في طريقه على جيفة بعير أو حمار قد أروحت سلك طريقاً آخر وسعى حثيثاً فراراً من رائحتها النتنة . فلما كان الغدر بالعهد من شر الصفات استعملوا وصفاً مستعاراً يليق بصفة الغادر الذي لا يرغب الناس في معاملته فقالوا : " خاس بالعهد فهو خائس " . ...